في ذكرى أكدیم إزیك .... الخیمة الصحراویة سلاح المقاومة في وجه التوطین القسري


بقلم حسنة ابا مولاي ولد بادي

مدريد (ECS).- تشكل البنیات الحضاریة والھویة الثقافیة اللبنات الأساسیة الممیزة للشعوب نظرا لكونھا تعبر عن الخصائص القیمیة والھویاتیة التي یستفرد بھا كل شعب، وتتشكل عبر المراكمة التاریخیة والتلاقح الحضاري بین الشعوب من خلال الھجرة وعامل الجوار.

ونظرا لأھمیتھا الممیزة فإنھا لطالما كانت مدخلا لاستھداف الشعوب واخضاعھا عبر كل أشكال الھیمنة والتي یشكل الاحتلال مظھرا لھا، إذ أن عملیات الھدم والابتلاع الحضاریة والثقافیة للشعوب لھي أصعب بكثیر من الاحتلال العسكري بسبب تجذرھا وھو ما یحتاج لقرون من الزمن تجتھد فیھا أدوات الطمس والتدجین.

فالبنسبة للشعب الصحراوي الذي خضع للاستعمار منذ بروز الإمبریالیة الرأسمالیة أوخر القرن التاسع العشر والى الآن تحت ظل الاحتلال المغربي، فقد استطاع الحفاظ على مقوماته الثقافیة الأصیلة المستمدة من ثقافة البدو الرحل، لذلك فإننا نجد أن الإنسان الصحراوي ورغم طول أمد خضوعه للاحتلال الأجنبي لازال یحافظ على خصائصھا الثقافیة متحدیا عملیة الخضوع لما یمكن تسمیته "بالتوطین القسري"، إذ أن الاحتلال المغربي ومنذ اجتیاحھ العسكري للصحراء الغربیة استھدف حیاة الرحل الصحراویین بارتكاب مجازر ضدھم كعملیات دفن الأحیاء بمقابر جماعیة وتسمیم الآبار وقتل قطعان الماشیة والابل، مرغما الشعب الصحراوي على التجمع بالقوة في المدن لتسھیل عملیة المراقبة والاخضاع.

وسیستمر الاحتلال المغربي في تسخیر كل أدواته لطمس ثقافة الشعب الصحراوي عبر تشجیع سیاسة التھجیر لداخل مراكزه الحضریة الداخلیة بذریعة التعلم والعمل، واغراق المناطق المحتلة بالمستوطنین المغاربة لاحداث تغییر في بنیتھا الدیموغرافیة.

و لطالما كان الاستقرار او التوطأ القسري مقدمة للاستیلاب الثقافي, وھنا تظھر الخیمة الصحراویة باعتبارھا ھي الجوھر, فھي واحدة من اھم الرموز الاجتماعیة والثقافیة للمجتمع الصحراوي, ومن ھنا كان وجودھا و انتصاب الخیمة حتى داخل المدینة في الكثیر من الاحتجاجات یرسل اكثر من رسالة للمحتل, جوھرھا الصمود ورفض الاستیلاب الثقافي الذي یحاول فرضه الاحتلال، ومن ھنا برزت كنوع من الممانعة الثقافیة والاجتماعیة میدانیا عبر نصبھا في وجھ المحتل كسلاح للمقاومة .

وفي أوج ھذه المعركة المستعرة ما بین الاحتلال المغربي والشعب الصحراوي بالمناطق المحتلة، فقد ظل الوعي بھذه السیاسات الخبیثة التي تھدف لاجثتات البنیات الثقافیة لشعبنا المكافح، محددا أساسیا للمقاومة المدنیة السلمیة عبر التمسك بالموروث الثقافي، الذي تشكل فیھ الخیمة الحاضنة الطبیعیة للصحراویین والتي لازمتھم كمكان للسكن والتجمع العائلي والعشائري وكوسیلة للاحتماء من تقلب الظروف المناخیة الى غیرھا من الادوار التي تطلع بھا كرمز للتنقل والترحال.

الا أن الاحتلال المغربي زاد من وتیرة محاربته للرموز الثقافیة للشعب الصحراوي عندما بدأ بممارسة الحظر على أي تجمع للصحراویین یستخدمون فیه الخیام، بعد أن شكل ذلك بدایة لأكبر عملیة نزوح جماعي بالعیون المحتلة في أكتوبر 2010، في رسالة ذات مغزیین اثنین الأولى التمسك بالقیم الثقافیة التي تمثلت في الاحتجاج خارج المدار الحضري واتخاذ الخیمة رمز لھذه الحركة الاحتجاجیة، والثانیة الدفاع عن الحقوق السیاسیة وفي مقدمتھا الحق في تقریر المصیر، وصون الحقوق الاقتصادیة والاجتماعیة عبر رفض كل أشكال الإقصاء.

ومنذ تاریخ 08 نوفمبر 2010 بعد الھجوم العسكري على مخیم النازحین الصحراویین، أصبحت الخیمة محرمة على الشعب الصحراوي بالمناطق المحتلة، بل أن مجرد رؤیتھا یثیر الرھاب لدى سلطات الاحتلال المغربیة، مما عزز من رمزیتھا الثقافیة وغدت تمثل تحدیا حضاریا للاحتلال المغربي.

في ذلك المخیم البسیط بامكانیاته .. الكبیر في رمزیته، ذاك المخیم الذي امتزج فیه الانسان بالارض، و ذابت في روحه تفاصیل الحیاة، المخیم الذي اعطى للشعب نفس وذوق الحریة, المخیم الذي تجاوزت قدرته العالم الأزرق في ربط اواصر التواصل بین الصحراویین، ففیه عاش الصحراویین عائلة واحدة رغم تعدد الخیام، بصوت واحد رغم إختلاف الاراء و في ختامه جسدوا الملحمة التي لطالما حلم بھا الصحراویون، بدماء الشھداء و حریة المعتقلین ثمنا ومعاناة الجرى كانت نھایته بارقى البدایات للمقاومة المدنیة الصحراوي.

ھذا التحدي أضحى ملازما لكل حركة احتجاجیة للشعب الصحراوي بالمناطق المحتلة، ولا خیر دلیل على ذالك الشھید المناضل الرمز "دیدا الیزید" كان في عقده الثمانين، ورغم كل الجبروت الذي لحقه من طرف سلطات الاحتلال المغربیة، الا ان اصراره كان اقوى من اجل مواصلة معتصمه وسط خیمة بسیطة من أمام منزل ابنته في العیون المحتلة، جعلت الاحتلال المغربي یحشد كل قواته و استخباراته خوفا.

دیدا الیزید مدرسة وطنیة أصیلة في النضال الوطني ضد احتلال الصحراء الغربیة، تحمل عنف وھمجیة سلطات الاحتلال المغربیة، صمد ورفض الانكسار واندثار رمز من رموز الثقافة الوطنیة الأصیلة، عاش حیاته مؤمن بانبعاث الفعل الوطني المقاوم من تحت الرماد، غیر آبه بخطابات النكوص والارتداد.

لتبقى الخیمة عنوانا ... والجبھة الشعبیة اطارا .....و الاستقلال مرادا